(إذا قصدتُ المرآةَ فكي أرى آخرَ غيري) عبد الله زريقة
*
<Omar:PassageIntoMidnight
*
*
بيروت ونهر الخيانات (رواية)
صفوان حيدر - السفير
ليس في الرواية بطل واحد مركزي تدور حوله الأحداث، بل أربع شخصيات: الأنا الراوية، و"المناضلة المتقاعدة" راوية عمران، وعزوز المرداسي وشروق التونسية. الأربعة من أصول تونسية، واثنان منهم تجولا في أرجاء العالم العربي وفي أوروبا، يلتقون في بيروت وفي تونس فيما يشبه التقاء أربع مرايا عاكسة متقابلة. وتستهل رواية عمران الرماية فيما يشبه المونولوج الداخلي لامرأة تكسر تمثالها على يد الأنا للمؤلف الراوي وتحاول، بإصرار فاشل أحياناً، أن تكون المرآة التي تدور حولها أحداث الرواية برمتها. نكتشف في الفصل الثاني أن راوية عمران تواجدت سابقاً في بيروت لأسباب سياسية وأنها مرت بتجربة حزبية قاسية وهي لم تترك تنظيمها السياسي بل طُردت منه لأنها اتهمت بقتل رفيق حاول اغتصابها، وكان "مناضلا" أممياً، جاء من بوليفيا ليلتحق بصفوف "الثورة" منذ بداية الحرب الأهلية اللبنانية، ينكشف أيضاً أن لراوية علاقة مشبوهة بالمنطقة الأخرى من بيروت وبالخارج أيضاً. ويعترف الراوي الذي هو المؤلف انه انجذب إلى شخصية راوية عمران الغنية المتناقضة: "كنت وما أزال انجذب إلى المرأة الغامضة التي تسكن كثافتها وتترك لظلالها مهمة الحديث عنها كنت أحاول الاقتراب من راوية الأولى، فتدفع بي إلى الثانية. أعايش وهم الثانية فتهبط بي أو تعلو إلى الثالثة... في بيت راوية مرايا عديدة". تقول راوية مبتسمة: تلك المرايا تعددني. وفي بيتها رأى الكاتب نفسه كثيرين يسعون وراء كثيرات هن راوية الواحدة... "حتى إذا جلست، انفتح ذلك الشق عن نصل فخذها فعددته المرايا".. والواقع أن كل فصل في الكتاب مرآة للفصل الذي يليه ويبدو من ذلك إتقان اليوسفي للعبة المرايا في الحوارات والأحداث وتركيب الشخصيات.. عزوز المرداسي هو المرآة الثالثة. في الفصل الثالث يتحدث عزوز عن نفسه: "هاجرت إلى أوروبا. وتمكنت من امتصاص الصدمة، بل صدمات أن يصير المكان مكانين والزمان زمانين. وحسب المواسم، وسوق العمل، تنقلت بين مهن عديدة، فعملت في البناء والزراعة والكناسة وتمكّنت من الانتساب إلى جامعة السربون لبضعة أشهر فقط. وبعد ذلك غادرت فرنسا إلى ألمانيا، قبل أن أبيع الجرائد في النمسا، واصطاد فرص التسكع والعمل في بلدان أخرى، مقاوماً الركود هنا، بالسفر إلى هناك، حتى بلغ بي الوهم أن ذهبت للبحث عن فرص أفضل في تركيا والعراق وإيران وسوريا.." ويعود المرداسي إلى تونس ويتزوج إلا انه لم يصطحب معه زوجته عندما قرر سفراً آخر، تلاه سفر. يطارد عزوز كابوس مشهد الجمجمة التي يركلها أطفال الشارع في وجهه. ويخاف عزوز من الموت ويسافر من بلد إلى آخر بحثاً عن نجاة من هذا الكابوس المخيف. ويكرر عزوز أن الوجود نسبي، مجرد حلم نسمّمه بالكوابيس. ولذا لم يطلق عزوز زوجته أحلام سلسلة المعارك بينه وبينها. ونكتشف بعد سلسلة طويلة من التداعيات يخبرنا عزوز أنه صديق طفولة وزمالة دراسية للراوي الأنا. وفي الفصل الثالث بعنوان "أنا وعزوز المرداسي"، يعترف الكاتب انه كتب الكثير على لسان عزوز، واستفاد أيما استفادة من حكايات عزوز وأفكاره. ويتميز عزوز بشخصية كاتب وفنان وحكواتي وناقد ومراسل صحفي يجوب العالم. ومع ذلك فهو لا يكتب. بل يترك الكتابة للراوي. ولا يكف عزوز عن الثرثرة عن مغامراته العاطفية في أوروبا، ويسأل عزوز الراوي بعد زيارته له في بيروت عن راوية عمران وكتابها فيدرك الراوي أن راوية تسعى للاقتراب من كل شيء يخص الراوي حتى الاقتراب من صديقه عزوز. يبدو عزوز في الكتاب المرآة الأخرى للراوي، كما تبدو راوية عمران المرآة الأخرى لزوجة عزوز أحلام، كما تبدو راوية عمران في إصدارها لكتاب كتبت فيه سيرة حياتها المرآة الأخرى للراوي نفسه الذي يكتب هذا الكتاب. لعبة المرايا التي يحفل بها هذا الكتاب تجعل من قراءته تعليقاً في فضاء بلا زمن. إذ لا بداية ولا تدرج ولا صعود إلى الحبكة في الكتاب، بل يمكننا أن نستبدل فصلاً بفصل أو نقوم بترتيب الفصول وفق تسلسل مغاير، وتبقى متعة القراءة متأتية من اللغة الجميلة التي يحبك بها اليوسفي نصوصه ناسجاً حوارات مدهشة في دلالاتها الشعرية والرؤيوية. وسواء سرد هذه الهواجس والأفكار عزوز أو راوية عمران أو المؤلف الراوي فإنها تبقى محافظة على قيمتها الجمالية. أي أن هذه المونولوجات والحوارات تمزج الشخصيات ببعضها فيما يشبه الاحتفال بعيد البربارة حيث يستبدل الأبطال أمتعتهم ويحافظون رغم ذلك على إيقاع حفلة متماسكة من الأقاويل الحكائية الجذابة. ويتضح في الفصل الرابع "أنا وراوية" أن راوية تزوجت في تونس من روائي تونسي وأصدرت كتابا يحكي سيرتها. وينهمر علينا في هذا الفصل سيل من رسائل راوية عمران إلى الراوي المقيم في بيروت رسائل تعنونها ب "إلى العزيز الطالع من المرايا" أو "إلى الهارب أبدا" أو "إلى العاشق القديم الذي لا يخون" أو "إلى الذي لا يكف عن الموت" أو "إلى البعيد القريب" أو أخيراً "إلى عزيزي المطمئن دائما" وفي الرسالة الأخيرة نفهم أن راوية عمران آتية إلى بيروت من جديد لتلتقي بالراوي. ويتم اللقاء في منزل الراوي حيث ترتب راوية مع صديقتها شروق التونسية حفلة وثنية صاخبة يأتي إليها عزوز المرداسي أيضا. وفي تلك الحفلة ترتطم المرايا ببعضها وتتكسر التماثيل ويتم استبدال الأقنعة. الرواية المابعد حداثية إنها رواية تاريخ، بل رواية ما بعد حداثية من خلال تحريفها وإعادة صياغتها للآراء أحيانا، ومن خلال تهكمها على العناصر المستعارة من رواة حداثيين أحيانا أخرى. في الرواية تصادم بين الحديث والقديم، الجدي والهازل، المستعار والأصيل، الأخلاقي وغير الأخلاقي، الجمالي وغير الجمالي، السياسي والشعري، وهذا التجاور أو الكولاج بين مفارقات عدة، ينسحب على السرد والحوار، وليست بيروت الا إطاراً للوحات سردية سوريالية تتخللها مشاهد ايروتيكية فاضحة واكزوتيكية ناشزة، ومواقف كاذبة بل "اكذوبانية" حسب تعبير راوية عمران. لوحات بلا توقيع ولا تواريخ سوى توقيع اليوسفي لهذا الكتاب الملتبس. ويبدو العمل مختبرا للتناقضات المقلقة للثقافة العربية المابعد حداثية في بداية القرن الواحد والعشرين وبانوراما للتهكم وللسخرية الجارحة من كل العلاقات السياسية الراديكالية التي عصفت ببيروت في السبعينات والثمانينات وصولا إلى بداية التسعينات. ويهيمن على الرواية الحديث عن الحرية الجنسية الخالية من أي وشاح للفروسية او للايثارية فإلى أين تستطيع أن تقودنا الحماقات الجنسية والمواقف الجنسية العدمية أو العبث بالجنس بوصفه محرّكاً للراوية من أولها إلى آخرها. وتنتهي نهاية الكتاب بسؤال واحد: من هي راوية؟ وينسحب هذا السؤال على جميع الشخصيات؟ من هو الراوي؟ من هو عزوز المرداسي؟ من هي شروق؟ هل هم نماذج رمزية للمثقف المابعد حداثي الخارج من أتون الجنس ومن معترك اللعب بكافة الثوابت الإنسانية والثقافية؟ هكذا، وعندما يتم خلع القناع قبل الأخير تصبح الرواية كومة من أقنعة متراكمة فوق بعضها البعض. كما لو كان تاريخ بيروت في هذا الكتاب ليس سوى محترف فني تتنقّل في داخله شخصيات نصفها واقعي ونصفها الآخر خيالي. وهكذا تبدو الرواية متخيلة وواقعاً في آن. أي أن الكاتب اليوسفي يرسم الوقائع ومن ثم يشوّهها فيما بعد، ليعيد تشكيلها من جديد؛ يلائمها فيما بينها ثم يعيد اختراعها مثلما يعيد كتابتها. نحن بالتالي أمام رواية مرآتية تنعكس فيها أربع مرايا وما احتفال اللقاء في "بين ليل، ونهار يسكنه ليل" إلا ارتطام هذه المرايا ببعضها وتكسرها إلى شظايا بلا نهايات. يمزج هذا النص اليوسفي ما بين الأنواع الأدبية: ينتقل من السرد الواقعي إلى أقصى درجات المتخيل، فنجد أنفسنا أمام مجموعة من التساؤلات: هل نحن أمام قصة سردية أم أمام احتفال حكواتي؟ هل نحن أمام وقائع حية أعاد اليوسفي تشكيلها و"دوزنتها" أم نحن أمام تخيلات استيهامية تأخذ عناصرها من قصص واقعية مبثوثة هنا وهناك؟ المهم أن المتعة التي ترافق القارئ لهذه الرواية متعة حقيقية وملموسة، ربما بسبب الرشاقة الأسلوبية التي تتمتع بها الحساسية الشعرية لقلم اليوسفي وهو شاعر قبل أن يكون روائياً. فلقد أصدر محمد علي اليوسفي إضافة لأعماله الروائية ثلاثة دواوين شعرية: حافة الأرض، وامرأة سادسة للحواس، وليل الأجداد. وبعيدا عما إذا كان هذا الكتاب سيرة ذاتية للمؤلف اليوسفي أثناء إقامته في بيروت الحرب أم لا، فالأرجح أن اليوسفي كتب سيرة في سبيلها لإقصاء ذاته بعيدا عنها، وتحويلها إلى شاشة احتفالية والى ممر لأعمال أخرى، تأملية، وتأملات اليوسفي في الكتاب تستحوذ على السرد بل توقفه في أحيان كثيرة. واللافت في هذا الكتاب ما يذكره اليوسفي في فصل بعنوان "ثمار على الضفتين" من هواجس وهلوسات بلا فواصل ولا نقاط كما لو كان هذيانا في طائرة تقترب من مطار بيروت الدولي. إنه مانيفستو هذياني يتوجب على القارئ أن يعيد تنقيطه وصناعة كتابته من جديد، بينما كان من الأجدى لليوسفي أن يهتمّ بأن يجعل لهذا الهذيان، نقاطاً وفواصل وحركات. هذا المأخذ أو الخلل أضرّ بالكتاب ولا يشفع الطابع الهذياني للنص بمثل هذا الخلل. ولكن، ما يذكره اليوسفي في المقطع الرابع من حفلة ارتطام المرايا وتشظيها ببعضها، من طرائف المفارقات اللغوية للمفردات الشعبية بين المغرب العربي والمشرق العربي، يضفي رونقا مضحكا ومسليا على الكتاب. والثابت الذي لا يتغير ولا ينزاح ولا يتعرّض لدوامة التحولات في الرواية هو صوت أغاني فيروز الذي خصّه المؤلف بإهداء الكتاب: "عندما سكتت نطقت للأبد/ أي كما لم يغنّ أحد/ صُغْتُ من صمتها في دمي دورة/ طفلة، بعد تقضم لثغتها/ ثم لا تنتهي في زمان الجسد/ إلى فيروز.. والعائلة طبعا!". وفي تناول اليوسفي لكلمات فيروز عبر امتداد الرواية تتفاوت المقاربة لفيروز بين المديح حيناً والسخرية حيناً آخر والندم حيناً ثالثاً، والغفران بحثاً عن شفاعة فيروز حيناً رابعاً، فإذا بهذه المقاربة، يعفي اليوسفي نفسه من مهمة البحث عن مطهر يخرج إليه جحيم الانعكاسات الخيانية العربية اللبنانية مسدّداً فاتورة الوفاء لهذا المطهر الفيروزي الذي خصّ اليوسفي الكتاب بإهدائه.
مملكة الأخيضر
سيصعب العثور على ذاكرة روائية مباشرة وقريبة لعالم مملكة الأخيضر الطريف والبريء والبكر والمبتكر ربما نجد جذراً لها في نص «الأمير الصغير» لـ دو سانت اكزوبيري وامتدادا من «أليس في بلاد العجائب» لكارل لويس، ولا تخلو من ظلال خاطفة لزكريا تامر،
انها رواية تستعيد الطفولة قصداً كما يقول كولدرج في وصف الشعر وتعريفه.
وفي الاهداء المصدر للرواية يفصح الباحث والمترجم والروائي محمد علي اليوسفي صاحب رواية توقيت البنكا الفائزة بجائزة النقد للرواية عن فكرة الرواية المولودة مع ابنته الطفلة التي يهديها نصه في حاضنتها الزجاجية وقد استمر العمل فيها ثلاث سنوات ابتدع فيها 170 حكاية متقاطرة بمعدل حكاية لكل صفحة شكلت بتضافرها وتجدلها الحكاية الكبرى لمملكة الأخيضر، وعالمها الملون الخلاب.
مملكة الأخيضر حكاية فنتازيا وفيلم كرتون للكبار ورواية شعر لا شعر لغة لكن شعر تفاصيل وأحداث وحياة وعلاقات تحاول ريادة كوكب اسمه الطفولة.
«آسرة» هي الراوية وأبطال الرواية جدجودة و هي جدة (آسرة) التي تجاوز عمرها المئة وصار حجمها أقل من 1 و ترضع الببرونة!! بدلاً من حفيدها آسر وهو بطل الرواية الرضيع سنا والمراهق حركة والحكيم لغة والشاعر منطقا وبابا وماما وريحان والقط الأسود الشرير وهو ريحان أيضا رغم انه لا يشبه ريحان!! وبوشويشة الذي يقدم نفسه معرفاً على انه ليس آسر وقد يكون قطا أسود! ونمير الذي يعرفه آسر قائلا: «هو أخي الذي سيذهب إلى ماما وتلده» والكلب «تانجو» والجنديان التائهان «الدواس» و «اصبع الحناء» الذي يردد دوماً في حواراته جملة هزلية تحدد الوقت «وبوقرلو» وهو حشرة سوداء تقول الموسوعة المصورة انه الجعل، و «أبة» سائق سيارة الفحم الذي يردد الكلمات الأخيرة من كل حوار معكوسة و «ديدحان» مفكر الامبراطورية ورفيف الماء والتي عاشت في فقاعة ماء فناداها الهواء فخرجت بفستان قطيفة أحمر وكعب عال و«بربيش» راصد الكنوز وحامل الفخاخ و «كشبور» و«كرفوس» و «شبشوب» والشاعر الأبرق كردوس والرسام زاهي «بوتزريرة».
الرواية ملفعة بقدر من التضبيب الفني واللبس لكي يماثل عالم الطفل المتاهي والهارب، والطيفي فعندما يسأل آسر بوشويشة عن سبب تسميته بآسر يقول إن هذا اسم للكبار فهم قد اختاروه كي ينادوه به ثم يكشف له أن اسمه السري هو نمير! وعندما يسأل بوشويشة عن اسمه الحقيقي يجيب «هنا أم هناك» ثم يقول ربما كان اسمي الأول هو آسر فيستغرب آسر عن سبب حمله اسمه فيقول انه الاسم الذي يقودني إليك وأنا لا أدري؟ يعرّف ريحان الجغرافيا بأنها الخروج من البيت وثمة أربع طرق تقود إلى مملكة الأخيضر الطريق الأول هو التخيل وهو ينص أن فيها إوزا كثيراً وماء وحرساً أخضر، والطريق الثاني أن ينتظرها والطريق الثالث أن يذهب إليها، والطريق الرابع هي آسر نفسه! وفي الطريق إلى المملكة تجمع الحكاية ركابها فيركب في السيارة راكب جديد هو الرسام الزاهي بوترزيزة الذاهب إلى حيث «يغير الأمكنة التي تجمدت فيها العلامات» ثم الراكب الشاعر الأبرق كردوس الذي «فاتته الطفولة ولو عاد إليها لما عرفها» والموسيقار كعباشي الكراولي بلحنه الحكيم الصامت غير المعزوف «فأحسن موسيقى هي التي لا تعزف».
تزخر الرواية بالمفاجآت الشعرية والتأملات الفلسفية الكونية «الفكرة الصحيحة تأتي باكتشاف والخاطئة تأتي بالبيض». اختار الراوي تسمية طوباه ومكانه المحلوم والمأمول اسم مملكة الأخيضر كأنما ينشد مع بودلير «الجنة الخضراء للعشق الطفولي» وشعار المملكة ألوان تندفع بنفسها وتكتب في الفضاء مرحباً بالوقواق وفي المملكة سبع جهات سابعتها هي الباطن والحوارات تتم بصوت يأتي من الباطن وفيها مدرسة والمدرسة مهمة جداً في الحكاية «التي مثل الخدمة العسكرية بالنسبة للجندي» وعدة قرى مثل قرية السائرين في نومهم وقرية الزمن السكران وقرية الأشباح وقرية الأفراح وقرية الصمت».
وقرية الأميرة ننجال هي عاصمة الحكاية وفيها يتوجب على الآباء الذهاب إلى المدرسة كي يدرسهم الأبناء فيعاقب الأطفال آباءهم «اكتب مائة مرة لن أعود إلى الضحك وقت الدرس» انه يذكر هنا بمقولة الفيلسوف ديوي الشهيرة حول تحول الآباء إلى أبناء بعد ولادتهم و «ننجال» هي أطرف الشخصيات قاطبة، وفي إمارتها سبع ساعات من الفوضى يهرب فيها وزير الرياضة ليلعب بالكرة وحده والشعب كله يتفرج عليه ويلاحق وزير الثقافة الحشرات والسوس والأرضة التي تلتهم الكتب فيصطادها مستعينا بالمجهر وهو متمدد على بطنه ثم يجمعها ويصنفها ويحتفظ بها في وزارته ويقتصد وزير الاقتصاد المقتصد بطبعه وخاصة في الحساب مكتفياً بصفر في الميزانية حتى لا يتعبه الحساب! هذه اللغة الناقدة الساخرة المتسربة من عالم الكبار السياسي الواقعي لا تطغى على العالم الطفلي الطريف أو تخرجه عن جادته كأطروحة في اجتراح الخيال وكتابة رسالة غفران جديدة ومغايرة ليس فيها غير المرح ولا تحول النص السردي لرواية أيديولوجية فهي أبعد ما تكون عنها بطيرانها في سماوات البراءة وهضاب الخبث الطفلي واتقاد الخيال فيها و تناميه إلا أن ذلك لا يثنينا عن التفكير في الرواية كمهرب من مرارة واقع.
أحمد عمر
***
Du rôle littéraire de la censure
Le phénomène n'est pas nouveau. Le bon écrivain saisit toutes les occasions qui lui sont fournies pour délivrer son message. L'écriture littéraire réserve tant de possibilités qu'il ne reste à l'auteur que l'embarras du choix. Nous avons souligné, en temps voulu, la performance de Moustafa Fersi, né à Sfax en 1931, dans Mouvements/Voyelles ([Harakât], Tunis, MTE, 1978, 128 p.).
Rappelons brièvement de quoi il s'agit. En s'exprimant « à travers » les mots, on produit un texte littéraire tenant compte du sort réservé à la liberté d'expression. Le personnage principal, rural survivant dans les faubourgs, a pour ami un poète, sa voix, organe du peuple muet, qui lit une comédie sous forme de dialogue. Dans celle-ci, le poète, muet lui-même, est jugé pour avoir répandu des sentences proverbiales contre le régime. En le tuant, peut-être étouffera-t-on la révolte dans l'oeuf. Mais la mort ne fige pas la voix des orateurs.
Depuis une quarantaine d'années, Hasan Nasr alterne la publication de recueils de nouvelles et de romans, ouvrages en général peu abondants, mais bien écrits. La critique s'entend pour considérer cette oeuvre comme de la bonne littérature. Né à Tunis en 1937, il commence son apprentissage de la langue arabe au kouttab, puis à l'école primaire et à la Zitouna. Après avoir exercé divers métiers, dont celui d'instituteur, il part à Bagdad où il passe une licence d'Arabe. Il est professeur d'enseignement secondaire, aujourd'hui à la retraite, et effectue un séjour de coopération en Mauritanie. Sa production oscille entre le genre classique, bravoure et jactance, et la littérature socio-réaliste. Son premier roman Les corridors de la nuit ([Dahâlîz al-layl], Jadîd, 1977) campe un personnage d'enseignant à Mahdia, évoquant l'existence par de nombreuses images de ténèbres. Son deuxième roman Le pain de la terre ([Khubz al-ardh], MTE, 1985) décrit, d'une manière pathétique, la révolte des petites gens devant les projets économiques qui les écrasent.
Voici donc son huitième ouvrage, Les registres de Tête de Coq ([Sijillât Ra's al-Dîk], Tunis, Cérès, 2001, 92 p.). Un premier chapitre de neuf pages raconte que, dans la ville de Noun, il fallait raconter au roi une histoire sans lien avec le réel. Au vainqueur seraient attribués la fille du roi et le titre de ministre. Tous échouent jusqu'à l'arrivée de Jawwâl (« L'itinérant »). Faisant des courses pour sa grand-mère, il renverse la bouteille d'huile d'où sort Tête de Coq qui franchit les mers vers le pays où tout est sucre. Il pond un oeuf rond qui sauve les hommes du déluge. Cela lui vaut la fonction de chef. Toute infraction est notée dans des registres, enterrés puis découverts par des archéologues. Mis dans la mémoire d'un ordinateur, ils en ressortent dans une nouvelle version. Le deuxième chapitre contient le texte de soixante-cinq registres, numérotés. Tout y passe, de la vie de
l'auteur à des scènes d'animaux sauvages. Le dernier chapitre, de deux pages seulement, est une justification de l'auteur qui affirme préférer les histoires qui n'ont ni queue ni tête, plutôt qu'un roman bien construit.
Tel est donc le cadre général du livre. Ses sources sont claires. D'abord Le Livre des Animaux [Kitâb al-Hayawân] d'al-Jâhiz (décédé à Basra en Iraq en 868). C'est là qu'on apprend le rôle de l'oiseau fabuleux Roc, cité explicitement par le romancier qui le transforme, plus ou moins, en Tête de Coq : l'oeuf d'un coq, qui ne le sait pas, n'est rien. Ensuite Les Mille et Une Nuits, et en particulier les fameux voyages de Sindbad. Les références à la Tunisie et à son histoire sont également patentes. L'auteur privilégie le bon peuple, sans oublier ses héros révolutionnaires, tels que Ali Ben Ghedahem en 1863, et Jarjar en 1911. Le petit texte (sept lignes) sur le plat de ojja est exemplaire de la manière de l'auteur : après la description minutieuse de la préparation du mets, le personnage « s'assied pour prendre sa nourriture sur la table, sans manger la viande de qui que ce soit » (p.61). Au fil du déroulement du texte, les allusions à la situation présente se laissent deviner sans peine et, probablement, l'auteur a choisi ce langage imagé pour échapper aux foudres de la censure.
Ayant plusieurs cordes à son arc, Mohamed Ali Yousfi, depuis plus de vingt ans, s'est fait remarquer dans le domaine de la traduction (douze ouvrages, surtout d'écrivains d'Amérique latine), de la poésie (trois recueils au ton pessimiste, la sagesse a disparu de l'histoire), du roman (deux livres : Le Temps des lutins ([Tawqît al-binkâ], Londres, 1992) et Soleil des tuiles ([Chams al-qarâmîd], Tunis, Dâr al-Janûb, 1997) et de la critique (une étude de textes concernant l'insurrection palestinienne). Né à Tunis en 1950, il vit la question palestinienne de près, sur le terrain, puis à Chypre, avant de revenir au pays, où il travaille comme journaliste pour des revues étrangères.
Voici, cette année, son troisième roman : Le royaume d'Oukhaydhar ([Mamlakat al-Oukhaydhar], Damas, Dâr al-Talî`a l-Jadîda, 2001, 188 p.), où l'emprise de son imagination débridée se laisse encore plus sentir que dans ses deux premiers romans.
Après une présentation des personnages, presque sous forme de liste, une première partie se déroule loin du royaume d'Oukhaydhar. Le texte, mis dans la bouche de la soeur aînée, se compose de paragraphes, avec sous-titres, d'une page environ, décrivant divers aspects de la vie d'un enfant dont la famille déménage d'un immeuble de l'Ariana vers une villa de Raouad. La deuxième partie, un peu plus conséquente, se passe sur le chemin du royaume. La troisième partie, constituant la moitié du roman, concerne le vif du sujet : dédoublement de la personnalité des protagonistes, récits fabuleux. Quelques pages, pour terminer, supposent ce qu'aurait dû être le véritable début.
Le premier niveau de lecture de ce texte est l'aventure, comme peut l'imaginer un adolescent. Interviennent ici tous les insectes mirifiques possibles. Ils participent directement au déroulement du récit, ayant chacun sa propre personnalité.
Le deuxième niveau, plus symbolique, est celui de la gestation d'un enfant. En effet, la
soeur sait que sa mère est enceinte et elle se figure ce que sera son petit frère. Le royaume est l'utérus de la mère. L'enfant en sortira par césarienne. Mais, une fois né, tous les présupposés historiques et sociaux de sa famille s'effacent devant son propre destin.
Un troisième niveau de lecture apparaît en filigrane. C'est une prise de position sur l'actualité du pays. L'auteur intervient régulièrement dans le texte (p. 21, 23, 33, 95, 123, 187), comme c'était le cas dans plusieurs romans l'année dernière. On comprend ainsi que le récit féérique, même s'il est cohérent par lui-même, peut être un prétexte à réfléchir sur l'évolution présente du pays. Outre de nombreuses allusions directes à des faits observables aujourd'hui, la conquête d'un palais, par exemple, exactement comme dans le roman de Hasan Nasr, nous ramène à une réalité plus concrète.
Ces deux exemples sont-ils significatifs d'une nouvelle pratique littéraire utilisant les moyens du bord pour produire des textes de qualité malgré les obstacles ?
Jean Fontaine Fondateur et ancien président de la revue de l'Institut des belles lettres arabes (IBLA).Tunis.
****
Réussir la traversée
Muhammad ‘Alî al-Yûsufî (né en 1950) est romancier, critique littéraire et traducteur. Son roman Tawqît al-Binkâ (« Le Temps des lutins », 1992) se conclue par le constat de l'absurdité de toute émigration, mais commence par une reprise massive d'une période heureuse passée à la campagne tunisienne, à l'ombre d'un grand-père et d'une grand-mère proprement légendaires. Combattant dans l'armée française, le grand-père avait offert du chocolat à une fille qui venait de perdre son père à la guerre, ce qui lui valut l'amour de la mère de la fille. Dans le voisinage des grands-parents, se trouve un Français qui a refusé de quitter le village après le départ des colons. Il « s'appropria » un terrain sur la colline, qu'il cultive et dont il vit. Le terrain appartient au grand-père du narrateur qui laisse faire le Français, consentant à ce que le terrain lui appartienne tant qu'il est en vie. Parlant bien l'arabe, celui-ci fait l'appel à la prière du haut de sa colline, où il ne risque d'être entendu que des reptiles et des oiseaux, ce qui l'enchante d'ailleurs, car il est aussi l'inventeur d'un langage pour communiquer avec eux.
La grand-mère, elle, mêlange dans sa tendresse les vivants et les morts, sa mémoire se refusant à enregistrer les décès et disparitions. Elle pleure et se frappe les joues en entendant dire qu'Untel, mort en vérité depuis des décennies, vient d'être arrêté pour ivresse. Le jeune narrateur Târiq comprend alors que si sa grand-mère lui permet de se dépayser et d'affoler le temps, c'est en compagnie de son grand-père qu'il aura toute chance de connaître les mœurs de la terre et les coutumes des plantes. Cependant, le vieillard lui dit qu'il était venu trop tard : quand les pères renient la terre et s'en vont loin d'elle, les petit-fils ne viennent que pour « renifler l'odeur des grands-pères », savoir de quelle étoffe ils sont faits et de quels récits ils sont capables.
C'est une telle paix qui se trouve saccagée dans le passage à la capitale, puis à Paris, où le narrateur fera les trente-six métiers, se sentant à jamais privé d'une sorte de poésie première à laquelle il lui fut donné de goûter au temps de son enfance. L'écriture poétique et assez dense de ce roman se condense encore plus dans un roman suivant et devient plus allégorique. Dans Shams al-Qarâmîd (« Soleil des tuiles », ici c'est un nom propre, 1997), le narrateur fait défiler des scènes d'une enfance idyllique passée dans le Nord de la Tunisie, entourée de récits merveilleux et de rapports éminemment transparents avec les êtres et l'espace. Mais voilà que le départ, comme dans le roman précédent, vient s'imposer comme une fatalité. Sauf qu'il est ici décrit de façon allégorique, ponctué par des épreuves initiatiques au terme desquelles le personnage central, lui-même narrateur du récit, comprend qu'en voulant contourner le lac de Sanhûrî, il a fait fausse route et doit rebrousser chemin pour essayer à nouveau. Puisqu'il lui faut de toutes façons s'immerger dans les eaux du lac, que ne l'a-t-il donc fait dès le début ? Tout au long de cette vaine traversée, il est habité par le souvenir de son frère disparu qui, tout en étant nu, lui avait conseillé de doubler ses vêtements et de prendre garde aux serpents, que l'on confond avec des cordes abandonnées sur la route. « Tout ce que nous perdons continue à briller à l'intérieur de nous », dit l'une des maximes disséminées par le narrateur à travers le roman et qui lui tiennent lieu de viatique. Et ce sont ces lumineuses maximes qui apportent en fin du compte la preuve que, malgré son échec tragique, il a bien gagné son pari et réussi sa traversée.
En 1992 paraît son premier roman : Le temps des lutins (prix du meilleur roman arabe 1992). Son deuxième roman paraît cinq ans plus tard : Soleil des tuiles (prix du meilleur roman tunisien 1997).